مقتطفات من خطاب رئيس الجمهورية الفرنسية المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة نيويورك، 20 أيلول/سبتمبر 2016

%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d8%a7

 

سيادة الرئيس،

أيها السيدات والسادة،

إن مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة لهي دائما من دواعي الشرف، لكنها أيضا مسؤولية ولا سيّما بالنظر إلى  الوضع الخطير والمقلق الذي يشهده العالم.

(…) لا يمكن تحقيق التنمية في أفريقيا بدون ضمان أمنها، وعندما تدخلت فرنسا في مالي، بناء على قراري، كانت تدرك فرنسا مسؤوليتها، إذ كان لا بد من تفادي سيطرة المنظمات الإرهابية على بلد برمته وزعزعة الاستقرار في منطقة كاملة. وقد تبدّد هذا الخطر الآن، واستعادت مالي سلامة أراضيها. غير أن منظمات أخرى ظهرت، أي جماعة بوكو حرام وتنظيم القاعدة، اللذين يعرّضان أيضا أمن بلدان عديدة في أفريقيا الغربية ومنطقة الساحل ومنطقة بحيرة تشاد للخطر. لذا ففرنسا حاضرة هناك أيضا من أجل مساندة الجيوش المعنية من خلال تدريبها، وتمرينها، وتبادل المعلومات معها، ومساندتها في المعركة ضد الإرهاب، وهذا ما نقوم به مع نيجيريا والنيجر وتشاد وبنن والكاميرون، وعلينا أن نوسّع نطاق هذه الأنشطة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

لكن لتكن الأمور واضحة، فيجب على الأفريقيين أن يتولوا زمام ضمان أمنهم بذاتهم تجنبا للتدخل والتوسط الخارجيين. (…)

أما النداء الأخير الذي أرغب في إطلاقه هنا، ولعله النداء الأكثر بؤسا، فهو بخصوص سورية. فهذه المأساة السورية ستكون وصمة عار على المجتمع الدولي سيحاسبها عليها التاريخ، ما لم نضع لها حدا على وجه السرعة. أصبحت حلب اليوم مدينة شهيدة وستبقى صورتها هذه محفورة في ذاكرة الشعوب. فقد سُحق آلاف الأطفال تحت الغارات، وتعاني مجموعات سكانية كاملة تحت وطأة الجوع، وتتعرض قوافل المساعدات الإنسانية للاعتداءات، وتُستخدم الأسلحة الكيميائية. فليس لدي من كلام غير كلمة واحدة: كفى. لم يصمد وقف إطلاق النار سوى بضعة أيام، كما حصل في شهر شباط/فبراير الماضي، فقد ذهب أدراج الرياح غداة إعلانه من دون أن نعرف حتى ما كان مضمونه. ويتحمل النظام مسؤولية فشل وقف إطلاق النار ولا يمكنه أن يعفي نفسه من المسؤولية متذرعا بالأخطاء التي ارتكبها الآخرون. وأقول للجهات الأجنبية المساندة للنظام التي يعرفها الجميع هنا، إن عليها فرض السلام، وإلا ستتحمل مع النظام مسؤولية تقسيم سورية واستتباب الفوضى فيها. وعلى مجلس الأمن أن يجتمع في أقرب وقت ممكن، دون أن يكون مسرحا للتضليل، أي مكانا حيث يحمّل كل واحد الآخرين المسؤولية، وحيث يعرقل البعض عمل مجلس الأمن بادعّاء حماية نظام، في حين أن عليهم أن يسعوا معنا إلى التوصل إلى حل.

وفرنسا لديها أربعة مطالب. أولا فرض وقف إطلاق النار، وفقا للقرارات التي اتُخذت في هذا الصدد، وهذا شرط مسبق. ثانيا، توصيل المساعدة الإنسانية إلى حلب وسائر المدن الشهيدة فورا، وهذا هو الضرورة الملحّة. ثالثا، استئناف المفاوضات السياسية وفقا لمبادئ العملية الانتقالية التي وُضعت فعلا في عام 2012، وهذا هو الحل. وأخيرا، المعاقبة على استعمال الأسلحة الكيميائية، وهذا هو إعمال العدل.

إذا ما اتخذنا هذه القرارات الآن، وإذا ما تصرفنا، فستُحل الأزمة في سورية. وما سيتحقق حينها في سورية سيكون أكثر من حل، إذ سيصبح لدى النازحين واللاجئين أمل. وستُتخذ خطوات ستمكّن سورية وأخيرا من صون سلامة أراضيها. كما سيجري التدخل في العراق، لأن هذه هي رغبتنا، لتحرير جميع أقاليم البلاد التي يحتلها تنظيم داعش حاليا. وأخيرا، ستُتخذ خطوات فعالة ضد الإرهاب إذا قرّرنا ذلك، ستجنبنا وقوع اعتداءات أخرى في جميع أرجاء العالم. سبق وقلت إن الخطر يكمن في استتباب الفوضى والتقسيم، وهذا الخطر قائم أيضا فيما وراء سورية، أي في ليبيا، وتتمثل الضرورة الملحّة في إعادة بناء مؤسسات الدولة حول حكومة فايز السرّاج، أي حكومة الوفاق الوطني، وهو ما تسعى من أجل تحقيقه فرنسا بمعية شركائها والأمم المتحدة.

أيها السيدات والسادة، إن عدم تسوية أي شيء، وغض الطرف، والتقاعس عن العمل، يحقّق مآرب هؤلاء الذين يرغبون في زعزعة استقرار العالم، ولا سيّما الإرهابيون. وفرنسا لا تستسلم أبدا، حتى وإن كانت المسيرة شاقّة، وخصوصا إذا كانت شاقّة، لذا اتخذت فرنسا المبادرة للإسهام في السعي إلى التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. صحيح أن لا أحد بوسعه فرض حل على الطرفين، لكن هنا أيضا القبول بالوضع الراهن يعني المخاطرة، وفسح المجال مرة أخرى لاستكمال الاستيطان، وتوفير ركيزة لا تُحتمل ومجحفة ومرفوضة لبعض أعمال العنف. فالهدف إذا هو عقد مؤتمر بحلول نهاية العام لتمكين الإسرائيليين والفلسطينيين من التفاوض وتحميلهم مسؤولية المفاوضات.

(…) ما أتوقعه من الأمم المتحدة، ولا سيّما مجلس الأمن نظرا إلى التحديات الكبرى التي تطرّقت إليها وبالذات فيما يخص سورية ومحاربة الإرهاب، هو أن تتحمل مسؤولياتها. وثمة لحظة في تاريخ جميع الأجيال، وجميع المسؤولين العموميين، يُطرح فيها السؤال الوحيد المهم، أي هل اتخذنا القرارات؟ وهل اتخذنا القرارات الصائبة؟ يوجد هنا بلدان متفاوتة الحجم، وذات مستويات تنمية متباينة، ولديها حساسيات وعقائد مختلفة، لكن يجب أن يكون لديها هدف واحد فقط، ومطلب واحد فحسب. فعلى العالم أن ينجح في التصدي للتحديات الماثلة أمام كوكبنا.

انتهى

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف العامة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.