أخيراً وبعد أربع سنوات من التوقف عن النمو، عرف قطاع إدارة الأصول العالمية البالغة قيمتها 62 تريليون دولار طريقه نحو الانتعاش، لكنه ليس طريقا معبدا للمدراء التقليديين لأكبر تجمعات أصول هذا القطاع، حسب ما جاء في التقرير الصادر عن “ذا بوسطن كونسلتينج جروب”(BCG) حول القطاع العالمي لإدارة الأصول، بعنوان: “الاستفادة من التعافي: إدارة الأصول العالمية 2013”.
ووفق هذا التقرير وصل إجمالي كل من الأصول المدارة والأرباح تقريباً إلى المستويات التي كانا عليها قبل الأزمة المالية،. وقد ارتفعت الأصول العالمية المدارة إلى 62.4 تريليون دولار سنة 2012، متجاوزة بذلك الرقم القياسي الذي حققته سنة 2007 والذي بلغ 57.2 تريليون دولار، بينماارتفعت أيضا هوامش التشغيل إلى 37% من العائدات الصافية، وزاد الربح إلى 80 مليار دولار، حتى وإن ظل أقل بـ15% تقريباً من مستويات ما قبل الأزمة.
وقال ماركوس ماسي، الشريك والعضو المنتدب في “ذا بوسطن كونسلتينج جروب” الرائدة إقليمياً في الخدمات المصرفية للمؤسسات والشركات وأسواق الرأس المال: “في الوقت الذي تعكس فيه هذه النتائج مظاهر للانتعاش، فإن نمو قطاع الأصول المدارة في سنة 2012 كان مدفوعاً إلى حد كبير بارتفاع الأسهم العالمية والأسواق ذات العائد الثابت- والذي أدى إلى الرفع من قيمة السندات المالية التي تقوم عليها أصول المدراء – بدل أن يكون مدفوعاً بتدفقات أصول جديدة صافية”.
وقد ظل الارتفاع في تدفقات الأصول الجديدة نسبياً متواضعاً بمستوى إجمالي يصل إلى 1.2% فقط من الأصول العالمية المدارة سنة 2012. وتحولت معظم تلك التدفقات الجديدة إلى حلول واختصاصات وفئات أصول سلبية بدل التحول إلى أصول جوهرية مدارة بشكل نشط، والخاصة بالفاعلين التقليديين. وعلى الرغم من التعافي الواسع للأصول المدارة، شهد ربع كامل من المدراء التقليديين في الواقع تراجعاً حقيقياً لقاعدة أصولهم الأساسية المدارة بشكل نشط سنة 2012.
وأضاف ماسي: “لقد ضاعف هذا التحول الهيكلي المستمر من عدد التساؤلات حول مستقبل المدراء التقليديين. فالعديد من مدراء الأصول يستفيدون من تدفق العائدات الجوهرية من أصولهم الموجودة، ما يغطي غالباً على الحاجة الملحة لمواجهة التحولات الهيكلية الحالية، إضافة إلى تلك التي قد تحدث مستقبلاً”.
ويعتمد التقرير على دراسة معيارية مفصلة لـ”ذا بوسطن كونسلتينج جروب” أجريت سنة 2013 لأكثر من 120 من الفاعلين الاقتصاديين الرائدين، والذين يديرون ما إجماله 33 تريليون دولار أو 53% من الأصول المدارة. كما يعكس التقرير جهداً شاملاً لقياس حجم السوق، يغطي 42 من الأسواق الرئيسية التي تمثل أكثر من 98% من التجارة العالمية للأصول المدارة.
ويركز التقرير على أن المدراء الأكثر نجاحاً هم إما مدراء اختصاصيون أو مدراء تقليديون أصبحوا “بارعين بشكل استثنائي”، حيثاستطاعوا الاحتفاظ بأعمالهم ذات الأصول الجوهرية النشطة، بينما كانوا يطورون قدراتهم لحيازة أصول جديدة لنمو أسرع، بما في ذلك الحلول والاختصاصات. وفي حين شهد الفاعلون التقليديون تراجعاً في أرباحهم بنسبة 2% في السنة منذ سنة 2010، شهد الاختصاصيون و”البارعون بشكل استثنائي” زيادة في أرباحهم بنسبة 10% في السنة.
وينطبق هذا التوجه أيضا على أسواق بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث يُوسع مدراء الأصول محافظهم من خلال تقديم منتجات أكثر اختصاصاً كالبضائع والعقار وصناديق التحوط. لكن هناك بعض الفاعلين المحليين الذين لا زالوا يفضلون أن يبيعوا منتجات طرف ثالث كتلك المنتجات الخاصة بموردين عالميين بارزين. ويقع على عاتق مدراء الأصول تطوير مهارات جديرة بالثقة للحفاظ على هذه الأصول في المنطقة، وبالتالي جني فوائد الهوامش العليا.
الانتعاش يخفي نسباً متفاوتة للنمو الإقليمي
ومن جهة أخرى، كشف تقرير ذا بوسطن كونسلتينج جروب أن الانتعاش أخفى نسباً متفاوتة لنمو الأصول المدارة سنة 2012، سواء بين المناطق أو ضمنها. ولا يزال المدراء يواجهون عالماً بسرعتين، حيث الأسواق الصغرى النامية بشكل سريع تنمو بوتيرة أسرع من الأسواق المتقدمة، مع تدفقات صافية أعلى. وفي الوقت نفسه، كان نمو الأصول المدارة في الأسواق المتطورة أكبر بشكل لافت من حيث الأرقام المطلقة بسبب الحجم المهيمن لتلك الأسواق.
ومن بين الأسواق المتقدمة، أظهرت مجموعة من البلدان- بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وهولندا وأستراليا وكوريا الجنوبية- نمواً قوياً بنسبة 10% أو أكثر في الأصول المدارة، والتي كانت مدفوعة بكل من تأثير السوق والتدفقات الصافية. وبالمقابل، سجلت اليابان وبعض البلدان الأوربية- بما فيها فرنسا وإيطاليا- نمواً ثنائي العدد والذي يعزى إلى حد كبير إلى الدور الذي لعبته الأسواق الصاعدة.
وبالنسبة للأصول المدارة في آسيا، باستثناء اليابان وأستراليا، فقد ارتفعت بنسبة 17% سنة 2012. وشهدت اليابان وأستراليا نمواً بنسبة 6% على التوالي. ومن جهتها، حققت أميركا اللاتينية نمواً قوياً بنسبة 14%. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الجنوبية، فقد حققت الأصول المدارة لديها نمواً بنسبة 12%.
وأوضح ماسي أن: “النمو الذي تم تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الجنوبية بنسبة 12% سنة 2012 يعد أمرا لافتا للنظر، خاصة وأن هذه الأسواق لم توسع الأصول المدارة الخاصة بها إلا بنسبة 1% فقط في سنة 2011. ويرجع ذلك النمو إلى ثلاثة عوامل رئيسية: توسع كبير للأصول المدارة للصناديق السيادية للثروات في بلدان مجلس التعاون الخليجي على خلفية الانتعاش العالمي، وتعافي أسواق الأسهم المحلية، مما أدى إلى قيم أعلى للمحافظ، واستثمار الأموال المحلية والإقليمية في أسواق بلدان مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والسعودية”.
المدراء الأميركيون في الصدارة
خلصت الدراسة إلى أن المدراء الأميركيين أبانوا عن أعلى مستويات القيادة وحققوا أفضل النتائج، إذ تفوقوا في أدائهم على نظرائهم الأوربيين. وفي حين ارتفعت أرباح المدراء الأميركيين لسنة 2012 بنسبة 10% عن مستويات ما قبل الأزمة، فإن أرباح المدراء الأوربيين قد ظلت أقل من تلك المستويات بنسبة 31%. وقد استخدم الفاعلون الأميركيون قدرات تخصصهم وخبراتهم في المنتجات والتوزيع الدولي للتوسع في أوروبا، حيث يواصلون الزيادة في حصتهم من السوق.
وبشكل عام، فإن المدراء التقليديين للقطاع يواجهون صعوبات مرتبطة بالأسواق المتقلبة وضعف بعض هوامش العائد، وتغيرات واسعة في الأداء بين المنتجات والمناطق، وفقاً لما جاء في التقرير. ويساعد ذلك على شرح الأسباب التي جعلت التحكم في التكلفة محط تركيز متزايد منذ الأزمة، خصوصاً بالنسبة للمدراء الذين تتآكل أصولهم.
وأضاف ماسي أن: “هناك مخاطر استمرارية تتهدد 25% من المدراء التقليديين الذين تُسجل أصولهم الجوهرية النشطة تدفقاً قوياً. وبالنسبة لباقي المدراء التقليديين، فإن الحاجة الملحة للتغيير تحجبها العائدات القوية من قاعدة الأصول التي تم تركيبها، لكن الاستثمار في مجالات جديدة للنمو الكبير ليس أقل خطورة”.
وحتى يتسنى الاستثمار في مجالات جديدة، من المهم جداً التحكم بإتقان في هيكل التكلفة. وبحسب التقرير، فإن إجراء مراجعة معمقة للعمليات ووظائف تكنولوجيا المعلومات سيوجه المدراء نحو “الحدود المستقبلية للفاعلية”.
وخلص ماسي إلى أن: “مراجعة نموذج التشغيل مع التركيز على العمليات وتكنولوجيا المعلومات هي مصدر متزايد للعمل الاستراتيجي الإيجابي. وبالإضافة إلى تعزيز الفاعلية، يمكن للمراجعة أن تكون بمثابة مفتاح للمرونة وإمكانية التوسع والنمو المستقبلي”.