يعد منتدى التنافسية الدولي الذي تنظمه الهيئة العامة للاستثمار أحد الفعاليات الاقتصادية العالمية المتميزة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ، وتستقطب ابرز القيادات والشخصيات العالمية ليلتقوا في العاصمة الرياض من كل عام ، يتبادلون من خلال جلساته وحواراته المختلفة أهم الخبرات والدروس المستفادة واستعراض ابرز التجارب العالمية في مجال تنمية الاقتصادات الوطنية وتعزيز قدراتها التنافسية ، في نسخة المنتدى السابعة التي ستنعقد خلال الفترة من 18 -20 يناير سيناقش موضوع بناء شراكات تنافسية على مستوى مؤسسات الدولة وأجهزتها المعنية بالشأن الاقتصادي من ناحية و أيضاً شراكات مع منشآت القطاع الخاص من ناحية أخرى ، وأثر هذه الشراكات وفاعليتها في تعزيز تنافسية الاقتصاد ويسعى القائمون على المنتدى في هذا العام إلى التنوع في مستوى الطرح وشموليته لقضايا وموضوعات التنافسية من خلال تسليط الضوء على عدد من التحديات التنموية الملحة التي تواجها الاقتصادات الطامحة إلى التحول لاقتصاد قائم على الكفاءة الانتاجية ويحقق التنمية المستدامة موضوعات مثل نقل التقية ، وتوطين الوظائف والخبرات ، وبناء الكوادر البشرية الوطنية المؤهلة ، وسبل تمكين الاستثمارات النوعية ، وأهمية تأسيس كيانات وطنية للاستثمار في القطاعات الواعدة ، ايضاً التشريعات الحكومية ودورها في تعظيم الاستفادة من المزايا النسبية وغيرها من موضوعات.
ويأتي اختيار منتدى التنافسية الدولي لموضوع بناء شركات تنافسية في ظل ما تشهده الاقتصادات الوطنية في مختلف دول العالم من تطورات ومتغيرات متلاحقة جعلتها تتبنى مفاهيم واستراتيجيات تتجاوز فيها الحدود الجغرافية للدول لتعزيز قدراتها التنافسية وان تكون جزءاً من العالم تتبادل التأثر به والتأثير فيه في هذا المجال ، فالتحديات التي تواجه معظم الاقتصادات في عالمنا المعاصر باتت متماثلة ومتشابهة وتتركز جلها حول تهيئة المناخ الملائم والمحفز لنمو استثمارات القطاع الخاص وزيادة الفرص امامه للمشاركة في تنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز قدراته التنافسية باعتبار ان القطاع الخاص تتوفر لديه القدرات والطاقات اللازمة للتوسع واستيعاب قوى العمل الوطنية وتنويع مصادر الدخل وهي الطريقة المثلى لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
وعلى الصعيد الداخلي تبرز أهمية اختيار موضوع الشراكات التنافسية الذي سيتطرق له المشاركون في المنتدى عبر أكثر من (13) جلسة وحلقة نقاش ، كونه يأتي بعد أيام من اعلان ارقام وبنود ميزانية المملكة لعام 2014م التي حملت في طياتها العديد من المؤشرات والدلائل التي تعكس قوة ومتانة الاقتصاد السعودي ودينامكيتة وانعكاس ذلك ، على توفير مزيد من الفرص والمجالات الاستثمارية المتاحة امام القطاع الخاص ومؤسساته ، وأهمية استثمار المقومات الكبيرة التي لا زالت كامنة في الاقتصاد السعودي خاصة في القطاعات الواعدة استثمارياً ، إذ تشير هذه الارقام والمؤشرات بوضوح إلى عزم الدولة بأن تمضي قدماً في سياسة التوسع في الانفاق الاستثماري على مختلف القطاعات وفي البنى التحتية والتجهيزات الاساسية والعمل على تعزيز دور القطاع الخاص في المملكة وجذب مؤسساته ومنشآته بكل امكانياتها نحو ساحة التنمية الاقتصادية للمساهمة في تشكيلها ورسم ملامحها لا مساهمة فرعية أو ثانوية بل مساهمة رئيسية وفاعلة.
وفي هذا الاطار يستهدف المنتدى عبر فعالياته المختلفة ، ترسيخ هذا الدور المعطى للقطاع الخاص السعودي بشقيه المحلي والاجنبي ، حتى يقود قطار التنمية نحو افق أوسع وأرحب من الانجازات التي تعزز موقع المملكة ضمن مجموعة الدول العشرين الاكبر اقتصادياً في العالم إلى جانب تعزيز موقعها في القائمة الاقتصادات العشرين الاكثر تنافسية حول العالم وتبؤها مكانة بارزه على خارطة الاستثمار الدولية. وهذا يتطلب تعميق صور ومستوى الشراكة التكاملية بين القطاعين الحكومي والخاص ، خصوصاً أن الأخير سجل حضورا قوياً في هذه الفترة وهذا ما كان واضحا في مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي البالغة حوالي 35% في 2012 وبمعدل نمو حوالي 9% ، كما تشير البيانات الرسمية في هذا الصدد الى أن نسبة مساهمة هذا القطاع في حجم الاستثمار بلغت 53% ( 314 بليون ريال من أصل 591 بليون ريال تمثل اجمالي تكوين رأس المال الثابت) ، وهي نسبة تفوًق فيها على القطاع العام الذي بلغ حجم الانفاق الاستثماري فيه 208 بليون ريال، وبمعدل نمو في هذه الاستثمارات بلغ حوالي 10% مقارنة بعام 2011، و تمثل الاستثمارات الاجنبية المباشرة منه حوالي 45 بليون ريال. كما يأتي تنظيم المنتدى في اطار جهود الهيئة العامة للاستثمار عدد من الجهات ذات العلاقة لإيجاد منظومة متكاملة من أجل تفعيل وتطوير فرص الاستثمار بالتنسيق مع الجهات المنظمة لكل قطاع من القطاعات المستهدفة ، والعمل على تعزيز بيئة الاستثمار وسهولة أداء الأعمال، إضافة إلى الاستمرار في تحسين بيئة الاستثمار وتنافسية المملكة بما يعكس تطوراً ملموساً على أرض الواقع من قبل المستثمرين، مع تكثيف الجهود لإنجاح المشاريع بتعزيز آلية منح التراخيص وإجراءات الاستثمار؛ لتمكين الاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية، والحد من الاستثمارات المتدنية، ورفع مستوى الخدمات الحكومية المقدمة للمستثمرين.
لذلك سيكون القطاع الخاص حاضراً بقوة إلى جانب الجهات الحكومية في فعاليات وجلسات المنتدى؛ حيث ستشهد فعاليات هذا العام للمرة الأولى تنظيم معرض (استثمر في السعودية) الذي يستهدف إبراز مقومات فرص الاستثمار التي تزخر بها مناطق المملكة في مختلف القطاعات، ويشارك فيه عدد من الجهات الحكومية وشركات من القطاع الخاص، والذي سيتسنى من خلاله لممثلي الشركات الاستثمارية العالمية المشاركين في أعمال المنتدى الاطلاع على مجالات الاستثمار في المملكة، والالتقاء بنظرائهم من الشركات المحلية والخروج بشراكات استثمارية ناجحة.
منتدى التنافسية في سطور
إذا كانت تلك هي الصورة العامة لفعاليات هذا العام، فإن الدورات الست السابقة تتشابه معها في ناحية التركيز على تبادل الرؤى لترجمة الأفكار على أرض الواقع؛ من أجل تعزيز وتنمية الاقتصادات وازدهارها، ورفع القدرات التنافسية لها. ولكنها تختلف فيما بينها من حيث الموضوع الرئيس المختار لكل دورة من دورات المنتدى؛ فقد حمل منتدى التنافسية الدولي في دورته الأولى عام 2007م عنوان (تقنية المعلومات والاتصال كمحفّز للتنافسية)، وركز على بحث ودراسة أهمية قطاع تقنية المعلومات والاتصال على تنافسية الدول، ونظراً إلى أهمية هذا القطاع في تحسين إنتاجية أي دولة ورفع تنافسيتها؛ فقد أولت المملكة اهتماماً بالغاً لهذا القطاع، وفعَّلت الكثير من الفرص الاستثمارية مستفيدة من الدراسات التي قدمت في هذا المنتدى الذي كان المتحدث الرئيسي فيه حول هذا الموضوع السيد بل غيتس رئيس شركة مايكروسوفت.
وكان عنوان المنتدى في دورته الثانية (التنافسية كمحرك للنمو الاقتصادي)، واستهدف التوصل إلى رؤية شاملة للتنافسية من شأنها أن تلقي المزيد من الضوء على جهود المملكة وتطور من سلسلة منتديات التنافسية إلى مدىً أبعد. وتوزعت فعاليات المنتدى على 12 جلسة تناولت موضوعات مختلفة بشأن القدرة التنافسية وأدارها متحدثون عالميون، منهم: البروفيسور مايكل بورتر من جامعة هارفارد، والدكتور جون كويلش عميد أول مشارك بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، والبرفيسور ستيفان جاريللى رئيس تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD، والبروفيسور جين نلسون مدير مبادرة المسؤولية الاجتماعية للشركات بجامعة هارفارد، والدكتور آمورى لوفينز رئيس مجلس إدارة معهد روكي ماونتن، والسيد لي كوان يو رئيس وزراء سنغافورة السابق.
وتناولت الدورة الثالثة للمنتدى (دور التنافسية المسؤولة في نمو شركات القطاع الخاص)، وانعقد المنتدى في ظروف بدا فيها الاقتصاد العالمي على شفا الانهيار؛ لذلك جرى العمل خلال تلك الدورة على رسم خريطة للتحديات المقبلة، ومنهجاً مثمراً للتعامل معها. وفي وقت كانت فيه الأزمة المالية تتسبب في ضياع تريليونات الدولارات من قيمة الأصول الموجودة عبر العالم جاء أول خطاب في منتدى التنافسية العالمي الذي ألقاه رئيس شركة نيسان ومديرها التنفيذي كارلوس غصن ليعلن: “إنما الغرض من التنافسية المسؤولة هو إيجاد القيمة”.
أما موضوع المنتدى الرابع فكان (التنافسية المستدامة)، ومثل وسيلة مثالية لجعل 2010م عاماً لبداية عقد جديد من التفكير، وأكد المشاركون أن إنجاز التنافسية المستديمة لم يكن أبداً تحدياً أكثر إلحاحاً للمملكة العربية السعودية والبلدان المتطلعة إلى المستقبل مما هو عليه اليوم، وأن جوهر التنافسية المستديمة يكمن في أنشطة الإنماء الاقتصادي التي تعمل تحت ظروف السوق العادلة، والتي تحسن من سلامة النظم الطبيعية والاجتماعية وتستعيد عافيتها.
وفي نسخته الخامسة كان موضوع المنتدى الرئيس (الإبداع والابتكار لتنافسية مستدامة)، وتميز بأنه أول منتدى غير ورقي في جميع جوانبه، وذلك باستخدام أفضل تقنية إلكترونية وتطويعها لتوفر بيئة تفاعلية تتيح فرصة الحوار والتخاطب إلكترونياً مع المشاركين والحضور عبر جهاز آي باد، وتسخير قوة وسائل الإعلام الاجتماعية مثل (تويتر) و(فيسبوك) من أجل المشاركة بالأفكار وإرسال التعليقات، وكذلك المشاركة في المناقشات الحوارية، إضافة إلى الاطلاع على أحدث الأخبار والتطورات والأحداث في المنتدى عبر برنامج متابعة الأخبار المباشر.
واختير موضوع (ريادة الأعمال وقضاياها) عنواناً للدورة السادسة، وجرى فيه تسليط الضوء على تنافسية ريادة الأعمال من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها تنافسية القطاعات الحكومية والخاصة والشركات الكبرى والصغيرة والمتوسطة, وعوامل الفشل والنجاح, وكيفية الاستفادة من التجارب الماضية. وتضمنت جلساته موضوعات: حرب الوظائف القادمة، وكيفية تحويل الفشل إلى نجاح، وجيل التواصل الرقمي والفن وخلق فرص الأعمال. وكان من أبرز المتحدثين فيه فادي غندور المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أرامكس، وحسن الثوادي رئيس اللجنة القطرية للإعداد لكأس العالم ٢٠٢٢م.