إذا كنت زائراً لمدينة الرياض وصادف أن ذهبت إلى شارع العروبة ستلفت انتباهك شخصياتٍ عرفناها في الأدب العربي وتربعت على عرش الأدب العالمي من حكايات “ألف ليلة وليلة” تطل عليك من نافذة ل”آرت غاليرى” بشارع العروبة”. فيدفعك الفضول وتجذبك المشاهدة لتكتشف أكثر، فتجد نفسك منبهراً بعدد من اللوحات الصغيرة في المقاسات، والعملاقة في المحتوى والدقة الفنية؛ لوحاتٌ تحكي أساطير وشخصيات عشناها في الصغر ومازالت تُشبع خيالنا بالحس الأدبي والفني معاً، فمن منا لا يعرف بطلة القصة شهرزاد التي أبهرت مليكها شهريار بقصص السندباد البحري، وعلاء الدين والمصباح السحري وغيرها.
هذه القصص التى اختزن مضمونها الأدبي عقل الفنان “أندريه دوجين” الذي تتلمذ على يد الفنان الروسي المعروف “روتسيلاف برتو” ومن ثم واصل دراسة الفنون بمعهد (سوريكوف) بروسيا لمدة سبع سنوات ليعمل بعد ذلك محاضراً ويلتقي بشريكة حياته وطالبته في ذات الوقت “أولجا كونيكوفا” ليتزوجا عام 1984م ويقيمان في ألمانيا. ومنذ ذلك الحين قاما بالعديد من الأعمال الفنية التي وصلت العالمية ونال عملهما “الخياط الصغير الشجاع” الميدالية الذهبية من قبل جمعية “مجتمع الرسامين” في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنهما وصلا لقمة العالمية برسوماتهما لأحد أفلام “هاري بوتر” الشهيرة وسجين “أزكابان” ورسومات قصص كتاب “مادونا” الرابع وغيرها من الأعمال المميزة.
وقد شدّت أعمالهما انتباه الأديبة والكاتبة لقصص الأطفال والتشكيلية هلا بنت خالد بن فهد التي زارت معارض أندريه وأولجا في ألمانيا ودول أخرى أثمرت عن استضافتهما في المملكة، ليحظى بذلك المتذوق والمهتم برؤية هذه اللوحات التي تعد من روائع الفن المعاصر والمستلهمة في ذات الوقت من الأدب الإسلامي والعربي من حيث صياغة الشخصيات التي تشبه إلى حد كبير المنمنمات. تحلق ببصرك هذه الأعمال داخل عوالم الأساطير وتستوقفك كل لوحة لفترة زمنية غير قليلة لتتابع مندهشاً الدقة المتناهية في دراسة الأشكال الهندسية والأزياء العربية والعادات والتقاليد، والتوافق الشكلي واللوني في إيقاعات منسجمة ومتناغمة في المساحات اللونية التي تم اختيارها من عالم الخيال بعالم ملموس تعيش لحظاته التاريخية بأسلوب تعبيري متقن في دقة التكوين وتوزيع محكم لعناصر سريالية، فهذا الأسد برأس امرأة وذاك الفيل بذيل صقر وتتردد في كائنات أخرى لم تشاهد مثلها من قبل وتشعر أنها موجودة بأبعادها الثلاثية وألوانها المنطقية. نحن الآن نتابع جديد الفنون الذي اعتمد كثيراً على التطور العلمي والاستعانة بأجهزة الكومبيوتر لصياغة مثل هذه الأعمال والتي صرح الفنان دوجين وزوجته بأن العمل الواحد يأخذ منهما ما لا يقل عن ست سنوات لإنجازه بين تحضير أولي للفكرة ومن ثم مراجعة المكتبات لقراءة كل ما يتعلق بموضوع الرسومات ومن ثم تخيل الشخصيات والكائنات والاستعانة إما بأفراد العائلة أو أشخاص لتصويرهم أو رسمهم من الطبيعة ومن ثم رسم عدة رسومات أولية بمنظور مختلف الزوايا وآخر لاختيار الدائرة اللونية قبل البدء بتنفيذ فكرة اللوحة النهائي.
وقد أعرب الفنان أندريه أنه يفضل هذه المعاناة عن الآلة فاستخدام التقنيات الحديثة أصبحت تجعل الأعمال الفنية مشابهة لبعضها البعض وأنه من المستحيل عند خلط – مثلاً – لون مع لون آخر أن تحصل على نفس الدرجة اللونية باليد وهذه الصدفة التلقائية من قبل الفنان هي ما تجعل العمل الفني متميزاً بينما الآلة تتحكم بنسب موحدة ودرجات مبرمجة والإبداع التلقائي مطلب مهم في العمل الأصيل.